السبت، 1 ديسمبر 2012

الفصل الأول اســتقامة إبليس: بقلم الأديبة والكاتبة الصحفية نادية كيلانى



االفصل الأول   
اســتقامة إبليس

مكان يدل على أنه فى العالم السفلى.. عبارة عن كهف تحـت الأرض يخيم عليه الظـــــلام تأتيه الإضاءة من أعمــدة فسفورية ومن أحرف الكراسى وإطارات النوافذ والأبواب.  
طوال الوقت تتردد أصوات خافتة لكنها مزعجة تضاعف من غرابـــــة المكان فى الواجهـــــة كرسيان كبيــــران شاغران أعـــــدا لإبليس الكبير، وزعيمـــة الأبالسة ومن حولهما أعوان كل منهما.
على شمـال المسرح تبـــدو نافدة خاليـة، يظهر من خلالها وجهــــان بشريان عنـــد  منتصف الفصــــل إلى جوارها قليلا بــــــاب للخروج والدخول.
اثنتان من بنات إبليس تدخلان ببطء  تتلفتان يمينا وشمالا فى حذر ... يراعى مستوى الجمال المرتفع فى بنات إبليس  

لوبعة : لا تخافى.. لم يبدأ الاجتماع بعد . 
زوبعة : لكن المكان معد أمامك.  
لوبعة : هناك وقت كاف ..   تعالى .. تعالى.   
زوبعة : تعودنا الخوف ياعزيزتى لست أدرى كيف سنواجه إبليس الكبير بهذا القرار الخطير.  
لوبعة : لسنا وحدنا.. الزعيمة معنا،  وهى تتبنى فكرتك الجهنمية.. أما نحن فمقتنعات تماما بالفكرة.  
زوبعة: ولكنك تأمنين على نفسك يا أختاه.. فأنت لست صاحبة الفكرة.. فيمكنك أن تتنصلى منها كما تشائين.
(كمن تكلم نفسها)
- : فى الأمور الجليلة يشنق صاحب المبدأ بينما يهتف له المنتفعون به.
(كمن خطر لها خاطر)  
-  : أخشى أن يأمر أبونا إبليس المعظم بحبسى وإيقافى عن العمل مدى الحياة. 
لوبعة : وأنا أعرف جيداً حبك للعمل.. على أية حال أمنا لظى أعطتك الأمان، وهذا يكفى؛ وما دامت وعدت بأنها ستتولى عرض القضية بنفسها  فلِمَ الخوف ؟   
زوبعة : الخوف من داخلي فهيبة إبليس الكبير فى نفس الزعيمة لا تقل عن هيبته فى نفوسنا فكيف لا أخاف ؟
لوبعة : ولكنها تعرف المدخل إليه .. اطمئنى . 
              (يسمع وقع أقدام)  
لوبعة:  أسمع وقع أقدام تقترب.. يبدو أن الإجتماع على وشك البدء . 
 زوبعة : بخوف.. هيا نتوارى .. اهربى..اهربى يا أختاه..  ثم نأتى فى حماية الزعيمة.  
لوبعة:  هيا بنا..  المعركة ستكون حامية الوطيس.  
        (تخرج البنتان، ويدخل اثنان من أبناء إبليس؛ أحدهما يمسك برأسه ويتوجع والثاني يهدىء من روعه ). 
مسوط : إلى هذا الحد هى امرأة قاسية ؟  لا..  لا.. بل ألومك أنت.. ربما سمحت لها بإهانتك والتطاول عليك فتمادت.    
الأعور : أبدا ياصديقى مسوط هى قاسية القلب بطبعها..  ورثت المهنة عن أمها وجدتها وأضافت إليها حنكتها وشراستها وأخيرا تكنولوجيتها.. وهأنذا أقف أمامها أرتعد وأتفصد عرقا..
مسوط  :  امرأة البشر لا تعترف بالزوج الضعيف..  كان عليك أن تملأ مكانك عندها . 
الأعور : بل لم يعد لى مكان على الأرض أبدا.. سوف أحصل اليوم على إذن بطلاقها .. آه يا رأسى    أرجو أن يسمح لى إبليس الكبير بذلك. 
مسوط  : تطلب المستحيل ياصديقى الأعور.. كيف يغير أبونا إبليس النواميس الأزلية ؟   
هى مكتوبة لك وأنت مقدر لها..  أليست هذه امتداد لأمها وجداتها زوجاتك السابقات.  
الأعور: (يمسك برأسه)  ورأسى كيف أحميها من الدق المستمر بيد الهون، وعصا المقشة، والمنـتوفلى.. انظروا إلى رأسى المسكين بعين العطف . 
مسوط : يضحك فى خبث  لا أحد يمكنه حمايتها إذا كان مكتوبا لها الدق.  
الأعور: رحت (بلاش) يا أعور..  كادت تقتلنى..   
مسوط : هل سمعت أن زوجة من الجن قتلت زوجها.  
 ( يتلفت ويقترب من أذنه ليوهمه بأهمية ما يقول) 
- : ألا أخبرك بحيلة تفعلها فتحمى بها رأسك ! 
الأعور : الحقنى بها أرجوك . 
مسوط : اخف من البيت الآلات الحادة ..  ســكاكين.. سواطير..  مقصـــات ..  (يضحك)  
الأعور: آه  يا أعور.. صرت محل تندر وتهكم..    (مخاطبا مسوط )
  تضحك ورأسى يقطر دما.. غدا تبكى عندما يصلك خبر موتى . 
مسوط: إننى مندهش بالفعل..  لم نسمعك تشكو من قبل مع قريناتك السابقات.  
الأعور: كنت فيما مضى اتمتع بمزيد من السيطرة والتحكم فى أهل بيتى.. أما هذه.. ياحفيظ .
  (يتحسس رأسه)  شيطانة فى صورة أنسية.   
 ( يتشوف من بعيـــد)  
- من القادم .. أظنه زكنبــــور.. (ينادى)  
الأعور : تعــــال يا  زكنبور.. نحن هنا.. ترى ماذا أتى بك مبكرا ؟
 ( يدخل زكنبور فى شىء من البطء، يبدو عليه الاكتئاب)  
مسوط : أهلا بصديقنا العزيز..  لماذا تبدو حزينا ؟
( فى عدم اكتراث)  
زكنبور: أهلا يا أخى .. متى سيبدأ الاجتماع ؟
الأعور: وأنا ياصديقى.. ألا تلقى علىّ بالتحية ؟
زكنبور : الأعور..  آسف ياصديقى.. لم أرك عند دخولى.  
الأعور:  تبدو مهموما.. ليتك تنسينى همي بإخباري عن سبب شرودك ؟
زكنبور: لا تشغل بالك ياعزيزي.. متى يبدأ الاجتماع ؟
الأعور: بعد قليل..  ما هى آخر أخبار الأرض ؟
زكنبور:  بالضرورة الأخبار عندكم أولا بأول ؟
 ( يضحك بتهكم)..
مسوط: أجهزة التشويش الكثيرة التى يصنعها البشر.. صارت تحجب الرؤيا والصوت معا.
الأعور: لم تعد لأجسامنا القدرة على الاستشعار القوى.. الأمر أصبح صعبا بالفعل.
زكنبور : معك حق.. صار لابد من الانتقال إلى المكان نفسه ومشاهدة الأحداث عن قرب..
مسوط: أتعرف لماذا نسألك، فنحن نعتمد عليك فى هذا الأمر حيث إنك تقيم فى أهم بقعة على الأرض.. يا صاحب السوق.  
زكنبور : لا تنس أبدا يامسوط أنك صاحب الكذب، وتمارس دورك حتى معنا.  
مسوط : أقسم أننى لم أكذب فى حرف.. المشكلات على الأرض كثيرة ومتلاحقة وهى أسرع من قـــدرتى على حبك قصة ملفقة.  
الأعور : صدقه يا أخى.. ما يحدث على الأرض لا يخطر على قلب شياطين الجن..
سل هذه الرأس الملفوفة  ( يمسك برأسه ) 
 زكنبور :  ينظر إلى الأعور بانتباه.. لمـــاذا تمسك برأسك هكذا ؟
الأعور : الآن  فقط  ترانى .   
مسوط : الإنسية زوجته  شجته له .  
زكنبور : شجته فقط .. يصلى لله شكرا أنها لم تذبحه، وتطعم لحمه للكلاب.  
الأعور : آه  يارأسي.. ستفعلها.. أقسمتْ أنها ستفعلها إن لم آت لها بما طلبت.  
زكنبور:  متى  سيبدأ الاجتماع ؟
مسوط : تهتم كثيرا ببدء الاجتماع..  قل لنا ما هى العناوين الرئيسية التى سيكون عليها اجتماع اليوم ؟
زكنبور: طبعا مشكلات الأرض المتلاحقة كما وصفتها يا أخى مسوط .  
مسوط : مثل ماذا ؟
زكنبور :  تحكم الدول الكبرى فى الدول النامية..
مسوط :  مشكلة أزلية.. وماذا أيضا؟!
زكنبور : الأزمة الاقتصادية ..
الأعور : عادى .. ماذا أيضا؟!
زكنبور :  الحروب الأهلية..  صارت تهدد بفناء البشرية.  
الأعور : كالحرب الأهلية التى بيني وبين زوجتي.. ولكن أنا الـــذى أفنى على ما يبدو. 
زكنبور :  التشابه الواضح بين الدول المتقدمة والدول النامية.  
مسوط : ماذا ؟ التشابه!!.. وهل هناك تشابه؟! 
زكنبور : طبعا فى تعداد الموتى المتزايد..  فى الأولى انتحار بسبب الرفاهية والفراغ.  
وفى الثانية بسبب المجاعة والبطالة
الأعور : آه على رأيك.. تـنوعت الأســباب...   
زكنبور:  وهناك أيضاً   
الأعور : ( مقاطعا) تهتهم بالقضايا العامه.. أما رأس الأعور المسكين فلا نصيب له فى اجتماع اليوم ؟
زكنبور: بالتأكيد لها.. القضايا الفردية هى الغالبة على اجتماع اليوم .. فمن القضية الفردية تتكون القضية العامة.   
 الأعور: (يتحسس رأسه) آه  يازوجتى الحبيبة.. هل أنت حقا من الجنس الناعم..؟ 
زكنبور: ذكرتنى بالجنس الناعم..  سمعت أن الحدث الرئيسى فى اجتماع اليوم هو اقتراح مقدم من جنسنا الناعم.. أختنا زوبعة ، سوف تثير زوبعة اليوم . 
مسوط : ترى ما هو الاقتراح المقدم..  بلغنى أن لهن شكوى شديدة المرارة من البشر.. ومعهن اقتراح لحل المشكلة.   
زكنبور: سمعت أن الزعيمة.. أمنا لظى متبنية الفكرة..  وأرسلت بها طلبا إلى إبليس.  
مسوط : فهمت الآن لماذا هو غاضب..  لقد ذهبت إليه فى صومعته فرفض مقابلتى قال لى حارسه:  إنه غاضب ويفكر فى أمر يحيره .  
زكنبور: أرجو أن تكون هذه الحيرة فى صالحنا، فيقوى مركزنا أمام أبينا المعظم . 
مسوط : بكل تأكيد.. هيا بنا ندعو الزملاء، ونستعد بالأوراق والحجج.   
الأعور : ( يتحسس رأسه) هيا ياصديقى.. هذا أمر لا يمكن السكوت عليه.

( يتشابك الثلاثة ويتجهون نحو باب الخروج مع تكملة الحوار
على لسان زكنبور حتى يضعف الصوت ويختفون من المسرح)
زكنبور: إننى أؤيد شجاعة أخواتنا الشيطانات، وأحسدهن عليها.  
مسوط : لا أدرى كيف ستكون وقع مفاجآت اليوم على إبليسنا الكبير.  
الاعور: عندك حق.. كنا نجتمع فقط لكى يلقى علينا بأوامره ويوزع خطة العمل..  أما اليوم ..  
  (يغادر الثلاثة المسرح فى الوقت نفسه تدخل الزعيمة ومعها البنتان السابقتان).
 لظى : اطمئنى يازوبعة.. كل شىء سيتم كما تريدين.  
لوبعة : أطمئنها طوال الوقت؛ أقول لها مولاتى لظى معنا ولن تصابى بسوء . 
زوبعة : الرهبة متمكنة من قلبى يامولاتى.  
لظى : أتخشين الموقف فعلا.  
زوبعة : إلى حد الإغماء.. كيف سأواجه نيران عينيه.  
لظى:  (تضحك ) تجنبى عينيه.  
لوبعة : إخواننا الذكور يملكون شكاوى لا حصر لها.. كلها تلقى اليوم تحت قدمى إبليسنا المعظم.. وسوف تجدين نفسك فى مأمن من وهم التمرد.   
لظى : لا..  ولكننى أرسلت فى طلب الاحتفاظ  بالأولوية.  
زوبعة : هل يؤيد الذكور فكرتنا ؟
لوبعة : لم يعلموا بتفاصيلها بعد.. مشغولون بمشكلات أخرى.. قد تدعم مشكلاتهم فكرتنا.  
زوبعة: ندعهم يتكلمون أولا يمتصون غضب إبليســـنا الكبير. 
لظى : على العكس نحن نريده بذهن واع لقضيتنا.. كم من قضايا عظيمة ماتت فى غمرة الإهمال وانشغال البال   
زوبعة : كلما اقترب موعد الاجتماع لا أتمالك أعصابى.   
لظى : (مفكرة)  لم أكن أتوقع أن يأتى يوم أختلف فيه مع إبليس الكبير.. منذ أن لفظنى من جوفه وأنا طوع أمره..
فمهمتي هى إعانته على البشر الذين هم سبب نكبته وطرده من رحمة الله.. لكنهم يصبون اللعنات على رأس أبينا إبليس بحجة أنه أخرجهم من الجنة   
لوبعة : افتراء.. أفهمنى زوجى إبليس أنه افتراء، أوصاهم الله بعدم الاقتراب من شجرة، فلماذا نسوا أمر ربهم؟
لظى : فعلا.. ولو كانوا كذلك فلماذا لا يشعرون بالندم..  لماذا يمشون فى الأرض بالطول والعرض بالسلب والنهب.  
    ( يصمت الجميع فجأة..  يسمع هدير بالخارج يدل على اقتراب إبليس وأعوانه.. تنهض الجنيتان وتسرعان نحو باب الخروج وهما ترتجفان.. تسحب زميلتها ويسرعان بالخروج)
لوبعة :   بعد إذن مولاتى.. نعود بعد بدء الاجتماع.. أرجو أن أكون على قيد الحياة وقتها.  
لظى :  (لظى تنهض خارجة) وأنا أيضا.. من الأفضل ألا يجدنى فى انتظــاره.. سأخرج معكما لحين استدعائى.. نعم من الأفضل أن يرسل فى طلبى

 (تخرج الزعيمة والبنتان ويظلم المكان تماما إلا من أضواء فسفورية ضعيفة  
بعد قليـل تفصح الأضواء عن جماعة من الشياطين يؤدون طقوسـا معينة، وحركات ايقاعية تدل على مناسك العبادة عند الشـياطين.. نـرى إبليس الكبير يجلس على مقعد فى الواجهة وإلى جواره كرسى الزعيمة شــاغرا .  
بعد أن تؤدى الصلاة يتخذ كل واحــد منهم مكانا له خلف إبليس..  يهبط إبليس الكبير من كرسيه وكأنه أحدث زلزالا..  يدور فى المكان وهو يدق الأرض بعنف، يرمق مقعد الزعيمة بغضب شديد ويتساءل مزمجرا) .
إبليس : أين لظى.. أين الزعيمة؟! إنها المرة الأولى التى تتخلف فيها عن موعدنا.
 ( يضحك فى سخــــرية)   
- حسن، صارت صاحبة رأى ومواقف عنيدة.. 
 إبليس صغير : أذهب يامولاى وأخبرها ببدء الاجتماع ؟
إبليس الكبير : اذهب يابنى.  (بتهكم) ربما نسيت!!    
 ( يخرج ابن إبليس مسرعا.. يدور إبليس حول نفسه قلقا)  
إبليس الكبير: هذا آخـر ما كنت أتوقعه منك يالظى.. تنشقين علىّ.. ماذا حدث!! أنقلد البشر بعد كل هذا العمر؟  اقتربت القيامة إذن.    
إبليس صغير: لا يقصدن يامولاى..  أخواتنا الجنيات يحاولن الحفاظ على هيبتهن فى قلوب البشر.  
الكبير : عن طريق التقليد.. إن ما يفكرن فيه شىء مدمر . 
إبليس الصغير: الأمر مرجعه إليك يامولاى، فلا توتر نفسك هكذا.  
إبليس الكبير: صدقت يابنى.. أنا لا يهمنى اقتراح زوبعة بقدر ما يؤلمنى تصرف الزعيمة.  
إبليس الصغير : البشــر يامولاى أخرجونا عن صوابنا.. ما يحدث فوق تحملنا.. فوق قدراتنا نحن الشياطين.. أرجو أن يتضح عذرهن عندك   
( تدخل الزعيمة  شامخة متحدية، ومن خلفهــا بناتها، تنحنى أمام إبليس فى كبرياء)   
لظى : التحية الواجبة لأبى وزوجى.  
إبليس الكبير : أما زلت تعترفين بأنني أبوك وزوجك يا لظى. 
لظى : ومعلمى أيضا يامولاى.. حقيقة كسطوع الشمس.  
إبليس الكبير: عظيم ما أسمع.. إذن لماذا هذا الهزر السخيف.. أتنشقين علىّ..؟ كدت أقدم استقالتى من المملكة وأدعك تحكمينها . 
لظى : لم نقصد الانشقاق ياكبير.. ولا دفعك للتخلى عن منصبك الأزلى.. لكنك لازلت تحكم بالمنطق القديم.. لا يصلح هذا المنطق اليوم مع البشر.. أرجو أن تدرس الأمر بلا عصبية.   
إبليس الكبير : أنا الذى يرى ما يصلح ومالا يصلح يازعيمة.. كفى عن هذا الهراء.  
لظى : نتقاسم الضرر والمشقة يامولاى فلماذا لا نقتسم الرأى والمشورة.. أرجو أن نعطى فرصة للجيل الجديد من أحفادنا لإظهار قدراتهم.   
إبليس الكبير : وماذا تستطيع بناتك ذوات العظام اللينة . 
لظى : لديهن وجهة نظر جديرة بالاعتبار.  
إبليس الكبير : اجلسي يا أميرتي واعرضي وجهة نظركن..  أولا  وأخيرا لا أريد إغضابك .
  (تتقدم الزعيمة من كرسيها فى كبرياء  
 تجلس شامخة  تشير لبناتها بأن يتخذن
 أماكنهن..  ثم تنادى)     
لظى : يازوبعة.. اقتربى يا ابنتى.  
زوبعة : أمر مولاتى . 
لظى : لا تخشــى شيئا يا ابنتى..  واشرحى لمولاك وجهة نظرك في هدوء. 
زوبعة : أمر مولاتى.  
 (تتقدم زوبعة وهى ترتجف  تنحنى أمام
 إبليس الكبير فى خشوع)  
زوبعة : أرجو أن تأذن لى سيدى بالكلام.  
إبليس الكبير:  (بتهكم) تكلمى  
زوبعة : شعرت باقتراب كارثة.. فأسرعت باتخاذ هذا القرار  
إبليس الكبير : )صارخا)  قرار.. وتكررينها..لا أحب أن أسمع هذا اللفظ .
  زوبعة : (وقد زاد رعبها) أعتذر يامولاى.. أقصد أننا نطلب إصدار أمر بتناول حبوب منع الحمل كما يفعل البشر، وإشاعتها بين بنات إبليس  
  الكبير:  (بتهكم ) تعقيم لبناتى الخصيبات.. ولماذا؟ إنه لأمر مضحك بلا شك.    
زوبعة : دلت الإحصاءات يا والدي المعظم بالأرقام التى لا يتطرق إليها الشك أن نسبة تعداد البشر تقل كل عام بصورة ملحوظة.
إبليس الكبير: وهذا هو الأمر المضحك ماذا يضير بنات إبليس.  
زوبعة : التحديد مهم لبنات الإنس..
إبليس الكبير: لهن أسبابهن..
زوبعة : اقتحامهن ميادين العمل.. الأطفال تشكل عبئا إضافيا.. 
إبليس الكبير: بنات إبليس يعملن منذ الأزل لم تتغير أدوارهن..  ماذا يعوق نشاطهن الآن..؟!  
زوبعة : الكارثة وشيكة الحدوث.. النسبة والتناسب بين البشر والشياطين يامولاى.  
 (لظى  تشير إلى زوبعة)
لظى :(تشير إلى زوبعة) ارجعى يا ابنتى.. يبدو أن اضطرابك يحول دون قدرتك على الإفصاح .
إبليس الكبير: اختصري الطريق أنت. 
زعيمة الأبالسة : هناك حكمة قديمة نراها تتلاشى اليوم .
إبليس الكبير: حكمة قديمة ؟ وهل هناك أقدم منى.!!  
لظى : هى مرتبطة بك.  
إبليس الكبير: أفصحى !! 
لظى : خرجتَ من الجنة واحدا وهما اثنان.  
إبليس الكبير: (يقهق) فهمتك يا خبيثة.( يقهقه) تقصدين أن الواحد منا باثنين منهم.  
لظى : هذا ما حدث بالفعل.. استطعت وحدك خداع الاثنين، وتجعلهما يخالفان أمر الله.
  إبليس الكبير: (ينتشى بذكرياته ويتلمظ بشفتيه) كانت شجرة شهية.. تشعرين بطعم ثمارها اللذيذة وهى فوق غصنها.. حمرة خديها، وعبير رائحتها   تجذب يدك وأسنانك لالتهامها.
لم يستطع آدم المقاومة.. نظر إلى عيني حواء، وجد فيهما الرغبة المماثلة انهار آخر حصن للمقاومة لديه، مد يده، وأنا اضغط له العود ليقترب أكثر وتنفذ رائحته إلى أعماقه، ويخطف نور التفاحة لبه.. ولما اقتسمها وناول حواءه نصفها، وبـدآ معا فى التهامها. كانت المفاجأة.
(شاردا) ويالها من مفاجأة.. لم أر إلا الاثنين يقطفان من ورق الجنة ويلصقانه فوق جسديهما.  
 ( يأخذ وجهه طابع الجد والحزن) سمعنـــا بعدها نداء ربانيا: (اهبطوا منها جميعا بعضكم لبعض عدو) أما الذي عرفته بعد ذلك فكان أشد هولا، عرفت أنهما يتناسلان وأن عدد البشر سيتكاثر، فكان يجب عليَّ أن أفكر بسرعة.. كيف أحارب وحدي كل هذا المد القادم.. وكنت أنت خطتى يا لظى أخرجتك من جوفي لكى نتناسل مثلهم.
نلاحقهم فى السر والعلن.. نجري فى عروقهم مجرى الدم. 
لظى : وهل خذلتك فى يوم من الأيام..؟
إبليس الكبير: لا يا لظى.. كنت خير معين لى أنت وأولادك تأتمرون بأمرى وتنفذون ما أرى.. أما اليوم فتسلكين مسلكا جديداً.. ونهجا بعيدا.
لظى :  لست البادئة يامولاى.. نحن فى سباق مع البشر كما قلت،  إما أن نهزمهم وإما أن نخسر الدنيا كما خسرنا الآخرة .  
إبليس الكبير: نعم يا عزيزتي، ونحن ماضون فى التصدى لهم وإخراجهم عن الطريق المستقيم. . 
لظى : لم يعد هذا الطريق هو هدفهم يا كبير. 
إبليس الكبير: وهل يقدرون علينا.. ؟
لظى : اخترعوا حبة صغيرة جدا تتحدانا.  
إبليس الكبير: ومالنا ومخترعاتهم.. ؟  
لظى : قد نصاب بالبطالة بفعل هذه الحبة يامولاي.. بسبب تزايد عددنا عليهم.  
إبليس الكبير: بنو آدم اليوم أكثر دهاء.(يشير لأحد ابنائه) اقترب واشرح لمولاتك كيف تتضاعف قدرة البشر ومقدرتهم رغم تناقص أعدادهم كما تقول هى..!    
ابن إبليــس:  (يتقدم وينحنى فى أدب) أمر مولاي.. 
 (ينظر إلى الزعيمة ويتابع قائلا) للبشر آلات وماكينات تفوق قدرة الشياطين على الاختراق والنفاذ.. منها ما هو أسرع من الصوت والضوء..  رأيت بعيني رأسي ماكينة تحصد ذبحا الآلاف من الدجاج فى دقيقــة واحدة، ومثلهــا للبقر والجاموس بتكبيرة واحدة.. وكذلك الأمر بالنسبة للبشر، يمكنهم تدمير دولة بكاملها بقنبلة واحدة، وبدون التكبيرة الواحدة..
ورأيت بعيني رأسي آلاتهم الحاسبة بإصبع واحدة تخرج آلاف الأرقام، والأعداد الصحيحة التى تعجز عن حسابها ألف رأس كرأسي..  ورأيت بعيني رأسي عربات بلا سائق، وماكينات بلا عامل، وطائرات بلا طيار، وطعامًا يؤكل بلا يدين ولا فم.. وشاهدت بعينى رأسي... 
  لظى : (مقاطعة) يكفى ما شاهدته بعيني رأسك.. هذا ما يزيد الطين بلة.. فالبشر وهم مادة عملنا وقضية وجودنا، يخترعون الآلات ويوفرون البشر.. هل سنحارب الآلات والماكينات فيما بعد..؟!!  
ابن إبليس: بالطبع لا.. ولكن هذه الآلات تعينهم علينا.  
لظى : إنك تهذي يابني.. هل نخترع آلات تحارب آلاتهم..!! لنا مهمة محددة شيطان لكل إنسان. الخطورة تكمن فى تزايدنا عليهم.. أرى أن دورنـا يتقلص رويدا رويدا .     
إبليس الكبير:  (يشير لابنه بالعودة) ارجع يابني.. (ينظر إلى لظى) لم أفهم ما تقصدين يامولاتي ؟
لظى : يتهموننا أمام الله بالغلبة للكثرة!! 
إبليس الكبير: وما الضرر ؟
لظى : يكون لهم العذر فى طلب المغفرة.  
إبليس الكبير: ونتهمهم بالتكنولوجيا والإلكترونيات . 
لظى : (بغضب) مرة أخرى التكنولوجيا !!
إبليس الكبير: تلك الوسائل الماكرة لم تكن ضمن الاتفاق.
لظى : أى اتفاق؟! أنسيت كيف ركبك الغرور، ورفضت السجود لآدم لأنك أفضل منه ؟
 إبليس الكبير: (فى استعلاء ونشوة) نعم.. نعم ياعزيزتي..  يوم لا ينسى..  أبت رأسي أن تنحنى لمخلوق من طين.. وأنا أفضل الجان بكثرة تعبدي لله لسنوات طوال.. أردت أن أضيع على آدم نشوة الاستعلاء الكامل وهو لا يرى أمامه إلا رءوسا منحنية.. رفعت رأسي لأرى علامات الغبطة على وجهه وهى تتحول إلى ذعر وخوف من المجهول.. وقد كان.  
لظى : ألم تشعر بالندم بعد ذلك ؟
إبليس الكبير: (يبدو على وجهه علامات الغم والحزن) جهلت يا زوجتي الحبيبة خصائص الطين..  وهو الخير الذى يخجل الملائكة، والشر الذى يهزم الشياطين.   
لظى : (بتهكم) إذاً اسجد له الآن ، ربما يرضى بصحبتك . 
  (ينهض إبليس شامخا كمن يرفض السجود.. يرتج المكان..  تضطرب الأضواء.. نسمع أصواتا مخيفة تدل على انزعاج إبليس، ويأتي صوته كالرعد)
إبليس الكبير: لم أسجد له حيا، فكيف أسجد له ميتا.  
  (يزداد المكان توترا من الخارج مع انتشار طبقة ضبابية تملأ المكان) 
إبليس الكبير: (مندهشا) ماذا يحدث يا جماعة ؟
( يدخل أحد الأبالسة منزعجا)    
ابن ابليس :  مولاى..  مولاى.. جنس غريب داخل مملكتنا !!   
  إبليس الكبير: (فى دهشة) ماذا تقول ؟  جنس غريب..  غير معقول ؟
  (مع استمرار المؤثر)                   
ابن ابليس: هذا ما حدث يامولاى.. اهتزت الذبذبات الخاصة بأجسامنا، وغامت الرؤية، واختل توازن الأشياء  
لظى : لا تقلق هكذا يابني.. هناك تقنية جديدة تسمى إنترنت..  يوجهها البشر إلينا.. 
ابن ابليس: ليس هذا يامولاتى..  فأنا الذى أجلس أمام أجهزة الإرسال والاستقبال، لكن ما يحدث الآن شىء مختلف..  شىء فوق تصورنا !  
 إبليس الكبير: (بانفعال) سخر جنودك فى التفتيش والبحث فى كل مكان فى المملكة.. لعلهم يعثرون على هذا الشىء الغريب  
  ابن إبليس : (وهو يخرج )  أمر مولاى   
  (يبدو على إبليس الكبير التفكير، تبدأ المؤثرات                                                      فى الخفوت والتلاشى، يظهـر وجهان بشـريان فى النافذة الموجودة على الشـمال، يشيران أحدهما إلى الآخر بالصمت، يتكلم أحدهما همسا)    
الأول: ألم تغلق جهاز التسجيل عند دخولنا . 
الثانى : نعم.. تعمدت ذلك . 
الأول : أحدثت بلبلة كادت تكشفنا .  
الثانى : على العكس..  هم مشغولون بالاضطرابات . 
الأول : لكنهم لن يهدؤوا حتى يعثروا علينا.  
الثانى : هذا أفضل من إدارة الجهاز وقت دخولنا.. حتى لا يحددوا مكاننا.
الأول :  أتمنى أن يمر الأمر بسلام . 
الثانى : سوف يمر.  
الأول : هل سمعت بعض ما كانوا يتحدثون عنه .  
الثانى : سجلته كاملا .
الأول : أول مرة نستعمل فيها هذا النوع من الأجهزة.  
الثانى : هذا بفضل القطعة الإضافية التى اخترعتها أنا.. ستقوم بالتسجيل والترجمة فى وقت واحد. 
الأول : يبدو أن المكان تعود على وجودنا ها هى ذى الرؤية تتضح.  
الثانى نعم.. قلت لك لن يعثروا علينا.
الأول : ولكن احذر الخطأ.
ابليس الكبير : (للزعيمة) نعود إلى موضوعنا..  يبدو أنها ظاهرة طبيعية لا أهمية لها..  ماذا كنت تقولين..؟
لظى : أنت الذى كان يقول .  
إبليس الكبير : وماذا كنت أقول ؟
  لظى : (مقلدة)  لم أسجد له حيا، فكيف أسجد له ميتا؟! 
  إبليس الكبير: (يشمخ مرة أخرى) نعم.
لظى : حتى لو كان فى ذلك تصالح مع البشر؟!  
إبليس الكبير : ( يزداد شموخا) وماذا يفيد  التصالح؟!  
لظى : ربما تكون هناك فائدة ما.
إبليس الكبير: ربما كان ممكنا قبل اختراعهم الحبوب الملعونة  
لظى : كيف ؟
إبليس الكبير: ألا ترين حالهم الآن.. أصبحوا لا يطيقون بني جنسهم فما بالك بجنس مختلف، لا يثقون به منذ البداية.   
  (تنهض الزعيمة غاضبة.. يختفي الوجهان كلما اقتربت من النافذة ويعودان للظهور عند ابتعادها.. تقترب من إبليس الكبير شبه هامسة.. )
 لظى : يقولون : تنظيم  .
إبليس الكبير : جسارة وجهالة . 
لظى : لماذا ؟ يجب أن يكون لهم دور فعال فى تنظيم حياتهم. 
إبليس الكبير : وهل كان لهم الرأى منذ البداية ؟ 
لظى : وما دورهم فى الحياة إذن ؟
إبليس الكبير: العمل ثم العمل.. الإنتاج.. هما أهم الأسماء التى علمها الله لآدم.  
لظى : وما دورنا الأساسي..؟
إبليس الكبير : تشكيكهم فيما يعملون وينتجون.  
لظى : ولماذا نجحوا فى اختراعهم تلك الحبة،  ولم نشككهم فى اقبالهم على هذا الفعل..؟
إبليس الكبير: هذا ليس بإقبال على فعل..  بل امتناع عن فعل.  
  (يتحرك أحد الواقفين فى النافذة فيمنعه زميله   
الأول : لا تتحرك ..   يكتشفون أمرنا .  
الثانى: الأرض عندهم ساخنة جداً.. قدماي على وشك الاحتراق.
الأول: تحمَّل.. ألقِ عليهما بعض البودرة الخاصة.. إننا في موقف حرج. 
الثانى:  أنا مندهش جداً مما أسمع.   
الأول : كأننا فى رباط وثيق العرى مع الشياطين.. تأثير وتأثر بكل الظروف.  
الثانى : يريدون إفساد مشاريعنا الحياتية.   
الأول: استمع ماذا تقول له الزعيمة؟
(يستمعان إلى صوت إبليس الكبير ولظى)
لظى : إنها المرة الأولى التى نختلف فيها يا مولاى.. كأنني لم أفهمك أبداً .  
إبليس الكبير : منذ أن فقدت القدرة على فهم البشر.  
لظى : تقصد أنه منذ أن حادوا عن دورهم ونحن لا نفهمهم . 
إبليس الكبير : هذه أنت.. أما أنا فلن يهدأ غليان صدرى من ناحية البشر أبدا.. إلى يوم الدين.. لقد اخترت دوري فى الحياة بإرادتي ولن أحيد عنه.  
لظى : لكنهم خدعونا.. أوقعونا فى خصومة ولجج طويل.. إبليس الكبير: وشلوا حركتنا..  فعلا النسل البشرى هو مادة عملنا.  
لظى : أرأيت  كيف عدنا إلى القضية الأولى.. إذن امنحنا موافقتك على التوقف مثلهم .  
  (بنات إبليس يهتفن ) 
- يجب التوقف..  يجب التوقف  
  إبليس الكبير: (يحتد) القاعدة أنهم يتبعوننا وليس العكس.  
 (تقف زعيمة الأبالسة محتدة..  تشهر فى وجهه إصبعا)  
لظى : أنت السبب فيما نحن فيه من حيرة.  
الرجل الأول: (همسا) اشتدت المعركة . 
الرجل الثانى : لن يجد رأسه فى الصباح .  
إبليس الكبير : اهدئى ياعزيزتى . 
الأول : أرأيت كيف يمتص غضبها؟! 
لظى : (لا تزال غاضبة ) أنت السبب..  منذ أن وسوست لهما بأكل الثمرة .
إبليس الكبير: وسوست لهما بأكل الثمرة ليتناسلوا، ولم أوسوس بابتلاع الحبة لينقرضوا.  
لظى : من وسوس بها إذن..!!  
إبليس الكبير : شيطان أكثر تمردًا منا.. عقل إلكترونى..  حسبها بأسلوب مادى بحت . 
لظى : لكننا فى حيرة حقيقية.. أنضاعف النسل أم ننتظر .
إبليس الكبير : بلا جدال.. نضاعف النسل .
  (أعوانه يهتفون)  
- : نضاعف النسل ..  نضاعف النسل.  
إبليس الكبير: هذا هو الرد بالإجماع.. ثم إننا لا نملك أجهزتهم.  
الرجل الأول : (خمسة وخميسة)..  عينهم الحامية على أجهزتنا.  
الرجل الثانى : يتكلم عن الكمبيوتر البدائى.. ولم يصلهم علم أحدث الأجهزة التى تتجسس عليهم الآن.  
الأول : مصيبة لو عرفوا.  
لظى :(تشير إلى بناتها فيهتفن) نخشى البطالة.. نخشى البطالة.  
لظى : وهاك الرأي المضاد بالإجماع أيضاً.
 (يرفع إبليس الكبير يده لأعوانه فيصمتون..)
إبليس الكبير: (محتدا) نحن لا نحيد عن دورنا يا لظى كما يفعل البشر. 
أول البشر : ياللعجب..  أرأيت استقامة إبليس.  
لظى: وكيف نحاربهم وقد حادوا..الميزان هكذا غير متوازن.  
إبليس الكبير: نستمر فى أسلوبنا الأزلي.
لظى : على قول (امش عدل يحتار عدوك فيك).
إبليس الكبير: هم يقولون ولا يفعلون وهذا هو الفرق.
لظى: هل هم ماضون فى سبيلهم للقضاء علينا ؟  
إبليس الكبير: نعم إنهم يغضبون الله مباشرة دون وساطتنا . 
لظى : ولا يكفون عن اتهامنا بذنبهم(مفكرة) ربما يسعون لإبطال نفوذنا. 
إبليس الكبير: والأدلة على ذلك لا تحصى.. أساليب المكر والدهاء.. ابتكار الآلات التى تريح أبدانهم  وتطيل أعمارهم.. رغم أننى أنا الذى قلت.. (رب أنظرنى إلى يوم يبعثون)  
لظى : إذن علينا أن نفكر فى طريقة جادة نحبط بها نياتهم تجاهنا. 
إبليس الكبير: وليكن نصب عينيك أن البشر هم قضية وجودنا ..  يجب أن نجد من نوسوس له بمكرنا .
  لظى : (صارخة..) وجدتها..  وجدتها...  
إبليس الكبير : وجدت ماذا ؟!
لظى : الطريقة التى نزيد بها عدد البشر.  
إبليس الكبير: ما هى هذه الطريقة ؟ أخبرينى بها بسرعة.  
لظى : نشطب القتل من بنود الوسوسة.  
إبليس الكبير: (يقهقه ويخبط كفا بكف) القتل..  تقولين: القتل..  يفعلون أكثر مما نوسوس لهم به.   
لظى : كيف ؟!!  
إبليس الكبير : يمثلون بجثث بعضهم بعضًا .  
(يشير بيديه وكأنه يمثل كلامه، وقد تظهر عناوين الصحف بطريقة مسرحية.. يقطع زوجته ويوزع لحمها على صناديق القمامة.. تبـيع لحم زوجها وتسلق الباقى.. جسد أمه وأبيه كالغربال الدقيق الصنعة بفعل الرصاص..تقتل فلذة كبدها من أجل عشيقها.. تستدرج طفلة الجيران وتقتلها طمعا فى قرط صغير فى أذنيها)
لظى : كفى.. كفى.. ما كل هذا..!!
إبليس الكبير: ليته عند هذا الحد.. الإنسية ياعزيزتى شجت رأس الأعور فجاء هاربا صارخا يطلب الحماية . 
  (تنظر إلى الأعور.. فيهز رأسه تأييدا لكلام إبليس الكبير) 
إبليس الكبير: أرأيت يا أختاه ما يحدث لنا من البشر.
لظى : ولكننا نأمر بالقتل منذ أن قتل قابيل هابيلا . 
إبليس الكبير: نعم..  ويحمل قابيل القاتل أخاه المقتول فوق كتفه ويدور به فى الأرض الواسعة يريد أن يستره.. ولما شعر بعجزه وقلة حيلته يبكي ندما وخجلا. نحن يا عزيزتي نحن نأمر بالقتل فقط  أما التقطيع والتوزيع فمن فعل البشر.    
لظى : ذكرتنى، أتذكر كيف كانت امرأة الإنس تقتل فيما مضى؟ كانت تضع له السم فى الطعام.. يأكل وينام، يموت وهو يحلم حلما  جميلا لا يقوم منه أبداً.  
إبليس الكبير: انظرى كيف تفعل به الآن . 
لظى : ياه ؟!.. هذا كثير.  
إبليس الكبير: فيمَ تفكرين.. ؟
لظى : أكرر فى ذهنى الجملة الخطيرة.. أصبحوا يغضبون الله مباشرة دون وساطتنا.     
إبليس الكبير: أرجو ألا تأخذك بهم الشفقة.   
لظى : ألتمس لهم بعض العذر..  فهم يستنشقون هواء فاسدا له تأثير ضار ومباشر على عقولهم . 
إبليس الكبير: وتلويث الهواء هذا من اختراع منْ ياعزيزتى؟
لظى : من صنع أيديهم بلا شك.. ولكن!!
ابليس الكبير: مخترعاتهم ياعزيزتى بلاء لنا أيضا وهى سبب نكبتهم والقضاء عليهم.  
لظى : ونحن أيضا لنا نصيب فى التهاب عقولهم فتفصح عن ألوان التدمير والتخريب.   
إبليس الكبير:  يبدو أنه من الصعب إقناعك بخطورة البشر.  
لظى : على كل حال النتيجة ليست فى صالحنا.. سيقضون على أنفسهم ونبقى بلا عمل.. كيف نحافظ على الجنس البشري هذا هو المهم .  
إبليس الكبير: هل عدمنا الوسائل..  نبحث عن طريقة أخرى.  
لظى : وجدتها.. وجدتها 
إبليس الكبير:  ماذا وجدت ثانية ؟
لظى : فكرة رائعة.. تعجبك مئة فى المئة.  
إبليس الكبير: هاتها. 
لظى :  نتزوج بهم . 
 (يختل كلا الصفين.. هرج ومرج وهمهمات عند سماع العبارة دليل عدم الرضا.. يشير إبليس الكبير بكلتا يديه للفريقين.. يصمت الجميع)  
إبليس الكبير: انتظروا قليلا .. نستوضح الأمر.. ماذا تقصدين بجملتك ؟ بالفعل يحدث تزاوج بين البشر والجان، ما الجديد؟! 
لظى : إنما أقصد بصورة مكثفة.  
إبليس الكبير: وماذا نستفيد من هذا التكثيف..؟
لظى : نتمكن من السيطرة عليهم والحد من شرورهم.. إفساد تدبيراتهم وخططهم وأيضا للتعرف على سرهم .
  (ابليس مفكرا: أسرارهم !!)
إبليس الكبير: تقولين أسرارهم.. تذكرت الآن.. انتظرى قليلا.
      (يتلفت) أين الأعور..  يا زكنبور.. كدنا ننساكما   
  (يتقدمان واحــدٌ من الشمال وواحد
من الخلف مطاطئي الرأس)  
 الأعور : أمرك يا مولاى.  
زكنبور : تحت أمر مولاى.  
إبليس الكبير: قل يا أعور.. احكِ لمولاتك عما تلاقى من زوجتك الإنسية.  
الأعور : تعرفين يامولاتى أننى متزوج من إنسية.   
لظى : أعرف يا أعور.. وما الجديد ؟
(ينحنى فوق ركبتيه ويبكى بشدة)  
لظى : تكلم يابني..  ماذا يبكيك؟!  
الأعور : تضربني .. قاسية جداً معى يا مولاتى.  
لظى : لماذا يا أعور..؟  
الأعور: لكى أخبرها بأسرار المملكة الشيطانية.  
لظى : غريب هذا ؟ وماذا تفيدها أسرار المملكة.  
الأعور: يخدمها فى عمل أحجبة المحبة والكره لبنات جنسها.. إما أن تسخرني فى خدمة السحر والشعوذة أو تضربني بقسوة.  
لظى : عليك أن تهدأ وتحكي لي بالتفصيل.  
الأعور: تهددني بالحبس والتقييد إذا لم أطعها.. طوال اليوم يمتلئ البيت بالزائرات فلا أجد فيه وقتا للراحة.. هذه تريد الانجاب. (يمثل)
- طفل واحد ياست الشيخة أبوس إيديك.. وتلك تشك فى زوجها.( يمثل)
 -  اعمى لي عينيه لا يرى غيري..  وثالثة موقوف حالها كل عريس يأتى إليها يهرب فى الحال، ورابعة راكبها عفريت ويلزم له الزار.
( يسمع دفوف الزار) وخامسة وسادسة وأنا فى حيص بيص.  
(يصمت)  
لظى : حزينة من أجلك يا بني.. أكمل..  إنى مصغية . 
الأعور : زوجتي تأخذ أموالهم وتدسها فى عبها، وتخط بعض الأحرف الغريبة فى أوراقها وتطلب مني أن أضع عليها بصمة إصبعي.. وكلما ذاع صيتها بين أقرانها زادت مسؤوليتها وزادت عصبيتها عليَّ حتى تحافظ على مكانتها بين زبائنها فليس أمامها غير الأعور المسكين تفرغ فيه همها . 
لظى : هكذا.. يا أعور!!. 
الأعور: هكذا يا مولاتي.. كما ترين على قمة رأسي..  كادت تقتلني فهربت.   
لظى : وطبعا أطعت أوامرها . 
الأعور : نعم يامولاتي  بكل أسف.
لظى : وصرحت ببعض أسرارنا . 
الأعور : سامحيني  يا أماه، ما بيدى حيلة.  
(إبليس الكبير يشير للأعـور بالرجوع )
إبليس الكبير: أرأيت يا مليكتي كيف يسيطر البشرعلينا..  لنا الغلبة فقط عند التخفي.. نوسوس فى الأذن.. يملؤهم الغرور.. ويتصورون أنه نابع منهم.. أما فى حالة الزواج.. المواجهة الصريحة تتساوى فيها الرؤوس وتتراءى الوجوه..  فينتصرون كما يحدث مع الأعور.  
لظى : ربما كان الأعور حالة استثنائية.. مصادفة.. امرأة طاغية وشيطان ضعيف.. أنسيت أن الأعور عاطفي وميله إلى الإنسيات قديم ؟  
إبليس الكبير: ما نسيته أنت أنك صرت تميلين إلى البشر..  خذي مثالا آخر أكثر غرابة .  
  (يشير إبليس الكبير إلى زكنبور فيتقدم مطأطئ الرأس)  
زكنبور : ابنك البار يا مولاى . 
إبليس الكبير: تقدم واحك لأمك رأيك فى البشر وخاصة زوجتك الإنسية  
زكنبور : تحت أمر مولاتي.  
لظى : تكلم يازكنبور بلا تردد ولا خجل..  لعلنا نضع أيدينا على المفتاح الذى يفتح لنا باب التعامل مع البشر.   
زكنبور: لا يمكن مفتاح واحد يحدد ملامح البشر يامولاتي.  
  لظى : (تضحك فى تودد) لا بأس.. إحكِ يابنى.    
زكنبور : يمتد عمر قرينتي الانسية إلى مئات السنين..  فأنا زوج لأمهاتها على مدى ستة أجيال.  
لظى : أعرف هذا.. أنا متشوقة لسماع الجديد.   
زكنبور: أقصد أن امتداد العمر، وخبرتي مع قريناتي السابقات جعلني أسترخي، وأنا مطمئن لسلامة نية زوجتي وحسن طبعها.. وانطلقت أباشر عملي الأساسي،  فلست زوج الست فقط. 
لظى : نعم زكنبور..  فعملك الأساسى فى السوق.. تركز فيه رايتك، وتمارس نشاطك .
زكنبور: نعم يامولاتي.. وأعمل جهدى فى البيع والشراء، فأرفع الأسعار وأخفضها كما يحلو لي، وأغش فى الكيل والميزان، وأدس الثمــار العطبة وسط الثمار الجيدة، وأقلب الحال فى الحال.  
لظى : لا يلومـــك أحد.. فهذا واجبك وأنت تقوم به خير قيام.. المهم.. ماذا حدث..؟
زكنبور: تعرفت على بائع طيب القلب..  هكذا كان فى بادىء الأمر.. أخذت أعمل معه فترة من الزمن، أوسوس له وهو يرفض أن يستجيب ثم أخذ يطيع على حذر، فيستجيب أحيانا ويستغفرالله أحيانا..  ثم أخذ يطيع وينسى أن يستغفر، ثم يطيع ويعمد ألا يستغفر.. إلى أن فوجئت به ينحيني جانبا ويقوم بدورى فى السوق.  
  لظى : بدهشة.. كيف يا زكنبور ؟
زكنبور : يدس فمه فى أذن البائعين، ويلقي بنصائحه إليهم وهى والحق يقال.. تفوق خططي فى خبثها.. وإذا بالسوق كله ينقلب رأسا على عقب.. مشاجرة كبيرة يستعمل أفرادها الصنج والأسياخ والآلات الحادة، والكراسي والنبابيت، ويقلبون العربات ويسحقون الخضر والفاكهة تحت الأقدام والأجساد، ولما هدأت المعركة، وأسفرت عن قتل وتشريد وإصابات خطيرة.. ذهبت إلى بيتى حزينا كسيف البال    نظرت إلىّ زوجتي وأنا على هذه الحال وإذا بها تنطلق في الضحك . 
لظى :  وما سبب ضحكها..؟
زكنبور: هكذا سألتها يامولاتي وكانت المفاجأة الصاعقة..  قالت فى سعادة.  
 - ما رأيك..؟ ألا أستحق لقب زكنبورة بدلا منك..  أنا التى فعلت كل هذا.. عرفت سرَّك وقوة تأثيرك، عرفت كيف تحيك الخطط وتنفذ ألاعيبك، وأضفت عليها من كيدي ودهائي، وحدث ما رأيت ؟
  (زعيمة الأبالسة تضع يدها أسفل ذقنها
 مفكرة، وهو يشير لزكنبور بالرجوع) 
إبليس الكبير: ما رأى مولاتى..؟ هل أدركت الآن مدى تأثير البشر عند التزاوج.. يخضع الجن للإنس وليس العكس. 
 لظى : (شاردة) وينقل بعض المردة أسرارنا إليهم سواء باللين أو بالعنف . 
إبليـــس الكبير: هذا ما يحدث . 
  (ترفع رأسها فجأة)
لظى : وماذا عن بناتنا المتزوجات من البشر.. ربما يكن أكثر صلابة من ذكورنا..؟
إبليـــس الكبير: (يضحك) البشر هم البشر يا زعيمة، لا فرق بين إناثهم وذكورهم.
إبليـس الكبير: (ينادي) أين ابنـتك ذات المحاسن..؟
(تخرج واحدة من بنات إبليس تتميز بالجمال،
      وبها آثار ضرب، وبعض الكدمات فى وجهها..وعلامات زرقاء فوق ذراعيها)    
ذات المحاسن : أمر مولاي المعظم.. السمع والطاعة لمولاتى   
لظى : تقدمى ياصغيرتى..  ما هذا أيتها الجميلة . 
ذات المحاسن : زوجى الإنسي يا مولاتي.  
لظى: ضربك..؟ بناتنا أكثر طاعة من البشر، فلماذا يضربك؟
إبليـس الكبير: اسمعى منها ؟
ذات المحاسن: تزوج عليّ  امرأة من البشر حتى يظهر معها فى مجتمعاتهم.. أما أنا فلا يراني غيره.. ليس هذا فقط  يا زعيمة فالشيطانات لا يعترضن على زواج أزواجهن من البشر، ولكن الأدهى أنه يطلب منى خدمتها.. وأطعت يا أماه.. صرت خادمة لضرتي ومربية لبناتها.. وكتمت فى نفسي حزني، وتذمرى من وجود الضرة حتى لا يغضب.  
لظى : وأين المشكلة إذن ما دمت تطيعين ؟ لماذا ضربك ؟
ذات المحاسن: زوجته تنجب البنات.. وهو يريد ولدا يحمل اسمه ويرث أمواله.
لظى : وما دخلك أنت ؟
ذات المحاسن: يظن أن لى قدرة أن أضع بذرة الولد فى جوف زوجته، وإلا ضربني وأهانني كما ترين يا أماه.   
لظى : (بغيظ) هذا كثير.. هذا ظلم.. بناتى يتعرضن لكل هذا العناء .   
  (تخرج لوبعة من بين الصفوف دون إذن)
لوبعة :  وأنا يا أمي..  أشكو من زوجي الإنسي . 
لظى : حتى أنت يالوبعة..؟    تقدمي !
لوبعة : زوجي لا يقل عن زوج أختي ذات المحاسن قسوة وجبروتا.   
لظى : احكي يا بنيتي .   
لوبعة : هو الآخر يحترف مهنة الدجل.. ويدعى معرفة الطالع وتمزيق أستار الغيب.. يأتى بفتاة من أعوانه ويطلب منها أن تنام مغنطيسيا وتحكى له ما تراه من غيب.   
لظى : يفعل ما يريد ما دمت بعيدة . 
لوبعة: كيف أكون بعيدة وهو يطلب منى أن أضع على لسانها ما يجب أن تقوله.    
لظى : وماذا تفعلين يابنيتى ؟
لوبعة : أقسم له أننى لا أعرف الغيب وأن هذه القدرة ليست لى.. فلا يصدق، ينهال علىّ ضربا وركلا حتى أفقد قدرتي على التحمل فأصرخ سأفعل.. سأفعل حتى يتركني.   
لظى : ثم يا ابنتي؟  
لوبعة: ألفق له الحكايات.. تهدأ ثائرته خاصة عندما يخرج له طالب الشكوى نقوده فى يسر.. ثم يسهر زوجي يعد نقوده، وأمضي أنا ليلتي أبكي وأتوجع من جسدي.  
                     (يصيح أحد أبناء إبليس )   
أحدهم : لماذا نزوج بناتنا من رجال الإنس..  نحن أحق بهن.  
إبليس الكبير: ماذا تقولين الآن يا زعيمة ؟ أما زلت تدافعين عن البشر وأمامك أمثلة الجنسين وتجاربهم مع البشر.  
لظى : ربما يكون لهم بعض العذر.  
إبليس الكبير: أيضاً.. في ماذا؟ 
لظى : تدخلنا فى شؤونهم.. بداع وغير داع.. زد على ذلك زيادة تعدادنا عليهم.. ماذا عساهم يفعلون لمواجهة غزونا المستمر.. أنا أعذرهم . 
إبليس الكبير : هذا رأيك.   
لظى : هذا ما يقـوله المنطق.. إنهم مضغوطون، فيتصدون لأفعالنا باستماتة رهيبة.. هذه هى القضية الجديرة بالمناقشة. 
إبليـس الكبير: لا أفهم سر تعاطفك مع البشر إلى هذا الحد.. ماذا نفعل لنرضيك..؟
لظى : يجب أن تأمر بتناول حبوب منع الحمل.. يجب أن نقلل عدد الشياطين.. شيطان لكل إنسان.. وليس لكل اثنين كما كانت البداية.  
إبليس الكبير: (بتهكم) نقلل عدد الشياطين فيزيد عدد شياطين البشر..؟ رأيي أنه يجب السيطرة على بني الإنسان، وشيطان واحد لا يكفي .. يجب أن يتولى أمر الواحد منهم خمسة منا عشرة.. قدر استطاعتنا 
لظى : وهكذا وصلنا إلى طريق مسدود.. يبدو أننا لن نتفق على الإطلاق.  
إبليس الكبير: اقترحى يا أميرتي وأنا طوع أمرك.. يجب ألا نختلف لأنها فرصة البشر للقضاء علينا.   
الزعيمة : نستعرض أولا أسباب الخصومة مع البشر ومنها نخرج بالحل الأمثل..
إبليس الكبير: ما سبب تخوفنا منهم، الذى هو مصدر الانزعاج الحادث..؟
لظى : عدم التكافؤ فى العدد بين البشر والشياطين.. هم ينحون نحو التحديد، ونحن نحو الزيادة.. وكما قلت: سيكون لهم العذر فى طلب المغفرة..  ونكون قد أمضينا العمر فى قضية خاسرة .  
إبليس الكبير: وثانيا:  أنهم تفوقوا في الشر علينا، وأصبحت للجريمة عندهم أبعادا وتفاصيلا لم نصرح بها. 
لظى : نعم .. وهذا يجعلنا فى حالة بطالة مقنعة.. وهم يعملون أعمالهم ويحتجون بوجودنا .  
إبليـس الكبير: وطبعا ليس فى استطاعتنا قتل أنفسنا .
الزعيمة: لم نقل هذا.. ولكن لابد من عودة البشر إلى طبيعتهم الإنسانية حتى نجد لنا مناخا صالحا نعمل فيه .
إبليس الكبير: وكيف يتم هذا..؟ (بتهكم)
- هل نندس بينهم فى صورة وعاظ ومصلحين.. هل علينا عبء هدايتهم وأخذ العهد عليهم بالصلاح والتقوى والتزام الصراط المستقيم.. لعلنا نعلمهم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وعدم اتباع سبيل الشيطان..؟  
الزعيمة : أطمع فى ذلك فعلا.. ولكن ما دمت تستثقله وتراه مستحيلا، فعلى الأقل نترك لهم فسحة من الوقت دون تدخلنا   فسحة من الوقت يلتقطون فيها أنفاسهم، ويعودون إلى طبيعتهم الانسانية..نرفع يدنا عن شؤونهم..قد ينسون الضغائن والأحقاد فيما بينهم.  
إبليـس الكبير: لا أفهمك يا زعيمة.. ها أنت ذى تسلميننا إلى البطالة بـيديك !! 
الزعيمة: بطالة مؤقتة.. نعزف عن إيغار صدورهم ضد بعضهم بعضًا، قد تهون فى أعينهم الدنيا فلا يتكالبون على مفاتنها ومباهجها.. وكله فى صالحنا.  
إبليـس الكبير:هل أنت زوجتي التى أعرفها؟ من أين استعرت هذا القلب الطيب!!  
الزعيمة : لا أقصد سوى مصلحتنا الخاصة.. مادام البشر هم مادة عملنا، وفى صلاحهم تنطلق قدراتنا وفنوننا، وتظهر مواهبنا..  فلنعمل على هدايتهم.   
إبليـس الكبير: لن يتركونا فى حالنا يا زعيمة..  يستضعفوننا .. ألا ترونهم وهم يقولون: (الذى يخاف من العفريت يطلع له) ثم ينطلقون وراءه بالمعوذتين والشتم واللعن..
- اعقلى يامولاتى.. أنا أدرى بهم.. هم في حاجة دائمة إلى الشماعة التى يعلقون عليها أخطاءهم، وذنوبهم.. ونحن الشماعة.  
الزعيمة: التجربة تستحق المجازفة.. والهدف هو صياغة بشر جدد صالحين لاستقبال حيل الدهاء والمكر الذى جُبلنا عليها  
إبليـس الكبير: ولكن هذا انقلاب للأوضاع.. البشر يعيثون فى الأرض فسادا والشياطين يجلسون للمشاهدة..؟   
الزعيمة : هذا معقول فى ظل انقلاب الهرم الاجتماعى.. إذن فلينقلب هرم الخير والشر.  
إبليـس الكبير: أمام إصرارك العنيد، ورغبة في عدم الفرقة بيننا، فالاتحاد قوة، لا أملك إلا الموافقة.. ولن أستبق الأحداث ربما تحدث المعجزة وتفوزين بلقب مصلحة البشر.  
الزعيمة : من حق البشر فرصة كهذه  يخلون فيها إلى أنفسهم وإعادة اكتشاف جوهرهم الإنساني.  
إبليـس الكبير:  نجمع الآراء على ما تفضلتِ به .
   (تشير الزعيمة إلى بناتها ، مستوضحة الرأى..  يهتفن)
الجميع : نعطيهم فرصة .. نعطيهم فرصة . 
  (يشير إبليس الكبير إلى أعوانه .. يهتفون)
الجميع : نعطيهم فرصة ..  نعطيهم فرصة .
إبليس الكبير:  لى شرط مهم حتى لا يحدث شقاق فى مملكة الشياطين المتحدة طوال عمرها..  يجب أن نحافظ على شعار المملكة..  اقسموا بالشعار.  
الجميع : نحن لا نحيد..  نقسم ألا نحيد .  
إبليس الكبير: لا أحب أن ينقض أحدكم العهد.. لا يتسلل واحد منكم إلى عقل وقلب أى من البشر.. لا يجرى أحدكم من بني الإنسان مجرى الدم ..
الزعيمة : لا صعود إلى الأرض إلا بقصد التنزه ومشاهدة ما يحدث .
الجميع : السمع والطاعة لمولاي ومولاتي.   
  (ينظر الوجهان البشريان فى النافذة أحدهما إلى الآخر
ويبدآن فى الانسحاب، ثم يختفيان)  
إبليس الكبير: والآن نكتفى بما ناقشنا من قضايا ونؤجل الباقى لاجتماعاتنا القادمة .  
الجميع : السمع والطاعة ياكبير.   
الزعيمة : والآن.. هيا.. اذهبوا حيثما تشاؤون فأنتم فى إجازة مفتوحة.
  ( يبدأ الموكب فى التحرك إلى الخارج وهم يهتفون)  
الجميع : إجازة مفتوحة..  إجازة مفتوحة  
-  نحن لا نحيد .. نقسم ألا نحيد.  
 (يمسك إبليس الكبير بيد الزعيمة وهو يبتسم،
يتركان مقعديهما ويخطوان فى تبختر نحو باب
الخروج.. يدخل أحد الأعوان مذعوراً ) 
ابن ابليس: مولاي.. مولاي.. مصيبة.. كارثة.. ضاعت المملكة يا مولاى.. الخسارة فادحة ياعظيم.
الزعيمة : أية خسارة.. تكلم ..   تكلم . 
ابن ابليس : أشباح بشرية يامولاتي.. هنا فى المملكة . 
الزعيمة : كيف.. غير معقول.. أنت تهذي بسبب ما توصلنا إليه من قرار.  
ابن إبليس: أشباحا يا مولاتي.. أشباحا بشرية تتحرك فى الظلام.  
الزعيمة : كيف..؟  شىء صعب الحدوث.. هذا الظلام خاص بحدقات الشياطين.. لا يرى فيه البشر.  
إبليس الكبير: الحقوا بهم على الفور.. أى كائن غريب يمثل أمامنا فى الحال.
( تخرج مجموعة خلف الأشباح .. ينظر إبليس الكبير
إلى الزعيمة فى دهشة وحيرة    ترفع كتفيها
فى عدم فهم .. تعود المجموعة يتقدمها أحدهم لاهثا
لم نستطع يامولاي اللحاق بهما)
إبليس الكبير: من هما ؟
ابن إبليس: اثنان من البشر يتنصتان علينا.!!  
  (يسود هرج فى المكان وغمغمات..) 

ســــتار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق